مصلحين عرب
هشام شرابي:
"فالمتدينون و القائلون بالحل الديني للأزمة الحاضرة لا يملكون، بمجرد هذا الادعاء، حق تمثيل المؤسسة الدينية أو حق التكلم باسم الحقيقة الدينية. فالدين الاسلامي ليس حكرا على فئة من المسلمين تملك فيه حق التفسير و التأويل دون فئة اخرى من المسلمين. من هنا يجب اعتبار الحركات الدينية الأصولية حركات سياسية تسعى، باسم الدين، إلى التوصل إلى أهداف سياسية، و على هذا الأساس يجب التعامل معها كحزب سياسي لا أكثر و لا أقل. و لهذا فمن واجب المجابهة النقدية الصحيحة أن تتجنب معالجة الحركات الأصولية من المنطلق الديني الذي يعتمد المفاهيم اللاهوتية و المقولات الدينية، و أن تصر على المنطلق العقلي التحليلي و على السياسة الواقعية المحسوسة لا على الأماني و الأحلام... إذ لا يمكن التوفيق بين الأبوية و الحداثة، بين الأصولية و العلمنة."
"ان النزعة الفردية في مجتمعنا تتميز بطابع سلبي محض بحيث أنها تهدف إلى خير الفرد وحده و لا تقيم للكيان الاجتماعي أي اعتبار. فالفرد لا يكاد يخرج من اطار العائلة و يحوز على شيء من الاستقلال حتى ينصرف بكل قواه إلى رفع شأن ذاته و التعويض عن الكبت و الاضطهاد اللذين عاناهما ضمن العائلة. فهو يتحرق لابراز ذاته على حساب الآخرين و لتحقيق أهدافه حتى على حساب مصلحة المجتمع. و بالنسبة إليه فان مصالح الآخرين و مشاعرهم أمر ثانوي لا يعيره اهتماما إلا إذا ارتبط بمصالحه و بمشاعره. ان لسان حاله هو: "أنا فوق الجميع".
"أما نزعة الانتماء إلى الجماعة فلا تأخذ شكلا اجتماعيا بالمعنى الواسع، بل شكلا عائليا و عشائريا و طائفيا، و هذا ما يضفي عليها تجاه المجتمع طابعا سلبيا كالذي نجده في النزعة الفردية. فالعائلية و العشائرية و الطائفية تنمي في الفرد الولاء العائلي و الطائفي و العشائري و كل منها لا يتوافق مع الولاء الاجتماعي بل يرفضه و يناقضه. ان ولاء الفرد نحو العائلة أو العشيرة أو الطائفة يحد من وعيه الاجتماعي و يقف في طريق الممارسة الاجتماعية السليمة."
"ان شعورنا بالنقص تجاه الانسان الأوروبي أو الأمريكي، يعكس نفسه بأشكال مختلفة، و لعل أهم هذه الأشكال محاولات كتابنا و مفكرينا منذ بداية هذا القرن أن يبرهنوا عن عظمة التراث العربي و الاسلامي و مدى تأثيره في الحضارة الأوروبية و تطورها. و ما هذه المحاولات من الوجهة السيكولوجية غير تعبير عن هذا الشعور بالنقص و محاولة التعويض عنه بايجاد صلة مشرفة تربطنا بالغرب و تجعلنا جزءا منه و لو من زاوية تاريخية مجردة. اننا في تفاخرنا على الغرب و تبججنا بعطائنا الحضاري له إنما نؤكد رغبتنا الخفية في أن نكون مثله. و هذا الشعور بالنقص هو الذي يدفعنا أيضا في الاتجاه المعاكس، أي إلى الطعن في كل ما هو غربي و الى التعلق الأعمى بالتراث و بالتقاليد.
لقد واجه رد الفعل العربي في كلا الاتجاهين، التجديدي و السلفي، طريقا مسدودا و ذلك لأنه بقي رد فقع ثقافيا مجردا في محتواه و مفاهيمه.
لهذا أقول أن الاطار الثقافي المجرد الذي لا يرى التحدي إلا بمنظور التجديد او التقليد، أي في الأخذ بنموذج الغرب أو بنموذج السلف، هو اطار خاطئ لا يؤدي إلى نتيجة.
هذا لا يعني أننا نرفض الغرب و ثقافة الغرب و علمه بلا قيد أو شرط. لا مانع اطلاقا من أن نتعامل مع الغرب و أن نستمد منه نماذج و أفكارا و مواد لانعاش حياتنا الاقتصادية و اعادة تنظيم مجتمعاتنا..."
هذا الكلام انكتب من خمسة و اربعين سنة. و لساتو بينطبق اليوم.
سياسة: أدونيس:
"أنتم لا تريدون أن تُصغوا الى الآخر، المختلف. فهو، سلفاً، ضالٌّ، بالنسبة إليكم. أنتم تريدون «هدايته». تريدون أن يتبنى أفكاركم. أنتم لا تحاورون، بل تبشّرون. وهذا نوعُ من الإكراه والقَسْر. نوعٌ من الاستعباد"
"المجتمع العربي في وعي المتدينين الأصوليين هو، أساسياً، «مؤمنون»، و «كافرون»، والثقافة فيه هي، أساسياً، ثقافة إيمانٍ، وثقافة كُفر. وفي مثل هذا الوعي لا معنى للحرية، إطلاقاً. لكن، هل للإنسان نفسه معنى في مجتمع يسوده مثل هذا الوعي؟"